فصل: حج أبي جعفر وأبي مسلم.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.حج أبي جعفر وأبي مسلم.

وفي سنة ست وثلاثين إستأذن أبو مسلم السفاح في القدوم عليه للحج وكان منذ ولي خراسان لم يفارقها فأذن له في القدوم مع خمسمائة من الجند فكتب إليه أبو مسلم إني قد عاديت الناس ولست أمن على نفسي فأذن له في ألف وقال: إن طريق مكة لا تحتمل العسكر فسار في ثمانية آلاف فرقهم ما بين نيسابور والري وخلف أمواله وخزائنه بالري وقدم في ألف وخرج القواد بأمر السفاح لتلقيه فدخل على السفاح وأكرمه وأعظمه واستأذن في الحج فأذن له قال: لولا أن أبا جعفر يريد الحج لاستعملتك على الموسم فأنزله بقرية وكان قد كتب إلى أبي جعفر أن أبا مسلم استأذنني في الحج وأذنت له وهو يريد ولاية الموسم فاسألني أنت في الحج فلا تطمع أن يتقدمك وأذن له فقدم الأنبار وكان ما بين أبي جعفر وأبي مسلم متباعدا من حيث بعث السفاح أبا جعفر إلى خراسان ليأخذ البيعة له ولأبي جعفر من بعده ويولي أبا مسلم على خراسان فاستخلى أبو مسلم بأبي جعفر فلما قدم ألان أبو جعفر السفاح بقتله وأذن له فيه ندم وكفه عن ذلك وسار أبو جعفر إلى الحج ومعه أبو مسلم واستعمل على حران مقاتل بن حكيم العكي.

.موت السفاح وبيعة المنصور.

كان أبو العباس السفاح قد تحول من الحيرة إلى الأنبار في ذي الحجة سنة أربع وثلاثين فأقام بها سنتين ثم توفي في ذي الحجة سنة ست وثلاثين لثلاث عشرة ليلة خلت منه ولأربع سنين وثمانين أشهر من لدن بويع وصلى عليه عمه ودفن بالأنبار وكان وزيره أبو الجهم بن عطية وكان قبل موته قد عهد بالخلافة لأخيه أبي جعفر ومن بعده لعيسى ابن أخيهما موسى وجعل العهد في ثوب وختمه بخواتيمه وخواتيم أهل بيته ودفعه إلى عيسى ولما توفي السفاح وكان أبو جعفر بمكة فأخذ البيعة على الناس عيسى بن موسى وكتب إليه بالخبر فجزع واستدعى أبا مسلم وكان متأخرا عنه فاقرأه الكتاب فبكى واسترجع وسكن أبا جعفر عن الجزع فقال: أخاف شر عبد الله بن علي فقال أنا أكفيكه وعامة جنده أهل خراسان وهم أطوع لي منه فسري عنه وبايع له أبو مسلم والناس وأقبلا حتى قدما الكوفة ويقال إن أبا مسلم كان متقدما على أبي جعفر فإن الخبر قد أتاه قبله فكتب أبو مسلم إليه يعزيه ويهنيه بالخلافة وبعد يومين كتب له ببيعته وقدم أبو جعفر الكوفة سنة سبع وثلاثين وسار منها إلى الأنبار فلم إليه عيسى بيوت الأموال والدواوين واستقام أمر أبي جعفر.

.انتقاض عبد الله بن علي وهزيمته.

كان عبد الله بن علي قدم على السفاح قبل موته فبعثه إلى الصائفة في جنود أهل الشام وخراسان فإنتهى إلى دلوك ولم يدر حتى جاءه كتاب عيسى بن موسى بوفاة السفاح وأخذ البيعه لأبي جعفر وله من بعده كما عهد به السفاح فجمع عبد الله الناس وقرأ عليهم الكتاب وأعلمهم أن السفاح حين أراد أن يبعث الجنود إلى حران تكاسل بنو أبيه عنها فقال لهم: من أنتدب منكم فهو ولي عهدي فلم يندب غيري! وشهد له أبو غانم الطائي وخفاف المروزي وغيرهما من القواد وبايعوه وفيهم حميد بن حكيم بن قحطبة وغيره من خراسان والشام والجزيرة ثم سار عبد الله حتى نزل حران وحاصر مقاتل بن حكيم العكي أربعين يوما وخشي من أهل خراسان فقتل منهم جماعة وولى حميد بن قحطبة على حلب وكتب معه إلى عاملها زفر بن عاصم بقتله فقرأ الكتاب في طريقه وسار إلى العراق وجاء أبو جعفر من الحج فبعث أبا مسلم لقتال عبد الله ولحقه حميد بن قحطبة نازعا عن عبد الله فسار معه وجعل على مقدمته مالك بن الهيثم الخزاعي ولما بلغ عبد الله خبر إقباله وهو على حران بذل الأمان لمقاتل بن حكيم ومن معه وملك حران ثم بعث مقاتلا بكتابه إلى عثمان بن عبد الأعلى فلما قرأ الكتاب قتله وحبس ابنيه حتى إذا هزم عبد الله قتلهما وأمر المنصور محمد بن صول وهو على أذربيجان أن يأتي عبد الله بن علي ليمكر به فجاء وقال: إني سمعت السفاح يقول الخليفة بعدي عمي عبد الله فشعر بمكيدته وقتله وهو جد إبراهيم بن العباس الصولي الكاتب ثم أقبل عبد الله بن علي حتى نزل نصيبين وخندق عليه وقدم أبو مسلم فيمن معه وكان المنصور قد كتب إلى الحسن بن قحطبة عامله على أرمينية بأن يوافي أبا مسلم فقدم عليه بالموصل وسار معه ونزل ناحية نصيبين وكتب إلى عبد الله: إني قد وليت الشام ولم أومر بقتالك فقال أهل الشام لعبد الله: سر بنا إلى الشام لنمنع نساءنا وأبناءنا فقال لهم عبد الله ما يريد إلا قتالنا وإنما قصد المكر بنا فأبوا إلا الشام فارتحل بهم إلى الشام ونزل أبو مسلم في موضع معسكره وغور ما حوله من المياه فوقف أصحاب عبد الله بكار بن مسلم العقيلي وعلى ميسرته حبيب بن سويد الأسدي وعلى الخيل عبد الصمد بن علي أخو عبد الله وعلى ميمنة أبي مسلم الحسن بن قحطبة وعلى ميسرته خازم بن خزيمة فاقتتلوا شهرا ثم حمل أصحاب عبد الله على عسكر أبي مسلم فأزالوهم عن مواضعهم وحمل عبد الصمد فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم حمل عليهم ثانية فأزالوا صفهم ثم نادى منادي أبي مسلم في أهل خراسان فتراجعوا وكان يجلس إذا لقي الناس على عريش ينظر منه إلى الخومة فإن رأى خللا أرسل بسده فلا تزال رسله تختلف بينه وبين الناس حتى ينصرفوا فلما كان يوم الأربعاء لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين إقتتلوا وأمر أبو مسلم الحسن بن قحطبة أن يضم إلى الميسرة وينزل في الميمنة حماة أصحابه فانضم أهل الشام من الميسرة إلى الميمنة كما أمرهم وأمر أبو مسلم أهل القلب فحطموهم وركبهم أصحاب أبي مسلم فانهزم أصحاب عبد الله فقال لابن سراقة ما ترى؟ قال: الصبر إلى أن تموت فالغرار فيكم بمثلك قبيح قال: بل آتي العراق فأنا معك فانهزموا وحوى أبو مسلم عسكرهم وكتب بذلك إلى المنصور ومضى عبد الله وعبد الصمد فقدم عبد الصمد الكوفة فاستأمن له عيسى بن موسى وأمنه المنصور وقيل بل أقام بالرصافة حتى قدهما جمهور بن مروان العجلي في خيول أرسلها المنصور فبعث به موثقا مع أبي الخطيب فأطلقه المنصور وأما عبد الله فقدم البصرة وأقام عند أخيه سليمان متواريا حتى طلبه وأشخص إليه ثم إن أبا مسلم أمن الناس بعد الهزيمة وأمر بالكف عنهم.